ارتفعت درجات الحرارة في ذلك اليوم ، في صيف عام 1960م ، على نحو تجاوز المعدلات المعتاده في مثل هذه الفتره من العام ، وراح الجميع يتحركون في شيء من العصبية ، كما يحدث عادة ، مع تلك النوبات الحاره المتباغته ، ولكن ذلك الاحساس بدا مضاعفا" ، بالنسبه لذلك الشاب ، الذي راح يتلفت حوله في شيء من العصبية ، ويجفف شلالات العرق ، التي تغرق وجهه ، وتتسلل الى عنقه وصدره ، فتضاعف من قلقه وتوتره ، وهو يقطع ذلك الطريق الهاىء ، خلف القصر الجمهوري ، في منطقه ( حدائق القبه ) حتى بلغ مبنى جديد التشييد تبدو بوابته المزدوجه وكأنها غارقه في بحر من الصمت والسكون ، أضفى على المكان رهبة أخرى ، وهو يقترب من البوابه ، ويقول لحارس الأمن في صوت مبحوح مضطرب : أريد مقابله أحد المسئولين هنا
كان يتوقع معامله قاسيه صارمة لذا فقد أدهشه هذا الاسلوب الشديد التهذيب ، عندما طالبه الحارس ببطاقه هويته ، ثم دعاه للجلوس في مكان انيق وسأله في اهتمام ، عما اذا كان يرغب ان يتناول مشروبا مرطبا ، استاذنه الحارس في الغياب لدقيقه واحده ، غاب خلالها في حجرته الخاصه ثم عاد يقول في هدوء مهذب : - تفضل . . سيستقبلك أحد المسئولين على الفور
وتلقفه رجل اخر بابتسامه وود وقطع معه ممرات المبنى الهادئة حتى بلغ حجرة احد الضابط فدق بابها وفتحه في هدوء ثم اشار للشاب بالدخول واغلق الباب خلفه في حرص وكانه يخشي تبديد هدوء المكان ..
كان هذا المبنى هو مبنى المخابرات العامة المصرية وذلك الذي استقبل الشاب كان احد ضباط هذا الجهاز الخاص ، ولقد نجح في استقباله الحار في ازاله الكثير من توتر الشاب وعصبيته ، بعد ان دعاه للجلوس ، وتركه يلتقط انفاسه ، دون أن يلقي عليه سؤالا واحدا ، حتى حسم أمره ، وقال في سرعه ، وكانما يفرغ حمولته كلها دفعه واحده : اسمي (( أديب حنا كارلوس) .. ضابط مصري وانا هنا لأبلغكم بأمر بالغ الاهمية والخطورة .. فأنا أعمل مع .. مع ..
ارتج عليه الامر وراح يردد الكلمة الاخيرة دون أن يجد الشجاعه للاستمرار وتطلع الى ضابط المخابرات المصري مستنجدا الا ان هذا الاخير ظل على صمته ويتطلع الى الشاب بابتسامه مشجعه حتى انحلت لسان ( أديب ) وهتف : أعمل مع ( الموساد)
كان يتخيل أن هذا الاعتراف سيجعل ضابط المخابرات يقفز من مكانه ، ولكنه فوجىء بان الضابط قد بقى على هدوئه ، وحافظ على ابتسامته وهو يقول : قص على ما لديك .. وبكل التفاصيل
وكانت هذه هي اللحظه الحاسمه